سفير الجن الصالح!!
بُعْدٌ .. و .. مسَافَة
مصطفى العزائم
أذكر انني قبل سنوات كتبت مقالاً عن الجن وعلاقتهم بالإنس ، فلم يتوقف هاتفي عن عن الرنين في اليوم التالي من نشر المقال ، ولم أتوقف عن الرد على المحادثات ، وأكثرها كان تعليقاً على المقال الذي جاء تحت عنوان ( الفنون والجنون ) وقد أشرنا فيه إلى قصص وحكايات وأساطير تتناقلها الأجيال عن الجن ، وعلاقة الجنون بالإبداع والفنون ، وربطها بالجن الذين هم من خلق الله الذي لا نراه .. ثم كتبنا عن صديقنا الفنان المختص صاحب المهنة النادرة الذي ذكر أنه يعرف الجن ويعيش معهم منذ سنوات عديدة ، وقد شهد اللقاء معي الشاعر الكبير والإداري القدير صديقنا الأستاذ كامل عبد الماجد ، وقدم لنا ذلك الصديق - لا أريد نشر اسمه - دعوة للطواف معه حتى يعرّفنا على بعض مناطق سُكْنى الجن في الخرطوم ، لكنني رفضت ووافق الأستاذ كامل لكنه عاد ورفض ، بعد أن دفعت بحججي التي تمنعني من ذلك الأمر ، وإختصرتها في أن الإنسان عدو ما يجهل .. وأنا إنسان أجهل كيفية التعامل مع الجن لذلك أرفض التعرف على عالمهم ، رغم أن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً بالضرورة ، وقد قال الشيخ أبو العباس بن تيمية - رحمه الله - : ( لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن ولا في أن الله أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إليهم).
ويبدو أن ما تناولناه آنذاك حول هذا الأمر قد استوقف الكثيرين حتى قبل أن يُنشر إذ إن أول الأسئلة التي تلقيتها حوله جاءتني من زملائي في معمل الكمبيوتر حيث يتم جمع المواد الصحفية ، وتصحيحها وتصميمها ، قبل أن تأخذ شكلها النهائي ويتم الدفع بها إلى المطابع .. وكان السؤال الملح على أذهان بعض الزملاء هو : ( من هو الفنان الذي حجبت إسمه ؟) بالطبع رفضت الإجابة. وكانت أكثر الهواتف التي تلقيتها محادثاتها تتضمن هذا السؤال بصيغة أو بأخرى ، لكنني – قطعاً – لم أذكر اسمه لأنني لم أستأذنه ، فالموضوع حساس ويعني علاقة مع عالم آخر غير عالم الإنس ، ونحن جميعنا نعلم أن عالم الجن من العوالم المجهولة بالنسبة للإنسان ولا سبيل لعلمنا أن يصل إلى حقيقتها إلا عبر ما علّمنا له الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنس والجن والملائكة والشياطين وبقية المخلوقات .. فالجن مخلوق من نار بنص القرآن ، وقصة إبليس تشهد على ذلك عندما قال لله تعالى :(خلقتني من نار وخلقته من طين) ثم قول الله تعالى : ( وخلق الجان من مارج من نار ). صدق الله العظيم . والجن في لغة العرب كما يقول أبو عمر بن عبد البر إنهم منزلون على مراتب فإذا ذكروا الجن خالصاً – يعني بصفة عامة – قالوا : جني.. فإن أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس قالوا: عامر والجمع عوامر .. فإن كان ممن يعرض للصبيان قالوا : أرواح.. فإن خبث وتعزّم فهو شيطان.. فإن زاد على ذلك فهو : مارد.. فان زاد على ذلك وقوى أمره قالوا : عفريت والجمع : عفاريت والله أعلم بالصواب ؛ أما أصناف الجن فثلاثة – فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الجن ثلاثة أصناف.. صنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون ).. وفي حديث زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن هذه الخشوش مُحْتَضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). وقيل الخبث هم ذكور الجن والخبائث إناثهم .
يروي لي أخي وصديقي الدكتور أحمد آدم أحمد موسى ، مدير وزارة الصحة بولاية البحر الأحمر الأسبق أنه أثناء دراستهم الجامعية قرروا زيارة رجل مشهور بأنه مفكر وصاحب نهج جديد ورشيد ، وقال إنهم عندما زاروه في منزله كان خارجاً لتوه من المرحاض ، وفي رفقته كلبٌ أسود.. فقال لي إنه انصرف عن دعوة الرجل قبل أن يستجيب لها لأن الكلب الأسود شيطان . ويحكي لي الشيخ الجليل المغفور له بإذن الله تعالى الأستاذ عبد الجبار المبارك قصة غريبة وعجيبة عن شخص قرر أن يناظره في بعض أمور الدين بمنزله في أم درمان ، إذ كان الداعي للمناظرة يؤجل البدء فيها جاعلاً مقعداً ثالثاً خالياً بينه وبين الشيخ الأستاذ عبد الجبار ، إلى أن جاء رجل لم يلاحظ أحد دخوله سوى المتناظرين ، وكان كما يقول الشيخ عبد الجبار المبارك رجلاً قبيح الصورة نتن الرائحة حاول أن يصرف إنتباه الشيخ عبد الجبار إلا أن الأخير غلبه بالآيات إلى أن خرج فقال المُضيف للشيخ عبد الجبار : ( ليس بيني وبينك مناظرة أو لقاء).
من بين المحادثات التي اعتززت بها يومذاك ، محادثة هاتفية من أخي وصديقي سعادة السيد صلاح العنسي سفير اليمن الشقيق السابق بالخرطوم الذي اتصل علي مشيداً بما نشرناه ومعلقاً عليه ، وقال لي إن محادثته هذي هي من سفير الجن الصالح. وهو يعني بالجن الصالح أشقاءنا اليمنيين إذ أنهم عرفوا بهذا الإسم في كل سواحل وجزر المحيط الهندي ، لأنهم ما نزلوا أرضاً إلا عمّروها، وقد طافوا الأرض شرقاً وغرباً وجابوا البحار في كل الاتجاهات .. وكان سفير الجن الصالح يضحك وهو يقول لي : (أنا سأذهب مع صحبك في جولته على مناطق الجن ، طالما رفضت وصديقك كامل أن ترافقاه) وقال إنه يريد أن يلتقي الجن الصالح.. بالجن الطالح.. فقلت له أني أخشى أن نردد بعد ذلك :(التقى جيل البطولات.. بجيل التضحيات) كما قال الفيتوري وغنى وردي في (أصبح الصبح) لكننا لن نعرف في أي طريق سار.. في طريق البطولات.. أم التضحيات..؟.. وقلت له إن الأمر متروك لك .
نسأل الله أن يتعافى اليمن الشقيق ، وأن يوفق قادته ويلهمهم الصواب .. فحرام أن يدمروا بلادهم التي هي واحدة من أراضي الحضارات القديمة ، وبلاد الحقائق والأساطير ، والواقع والخيال .
Email : sagraljidyan@gmail.com