قحت والكيزان .. عقبة لا بد من تجاوزها
تأملات
جمال عنقرة
“قحت” و”للكيزان” ليست هي الكلمات التي استخدمها في وصف أصحابها، قوي الحرية والتغيير زالاسلاميين، لكنني تعمدت استخدامها في هذا المقال لأنني أردت له ان يكون أكثر صراحة ومباشرة، فالازمة التي تمر بها بلدنا لا تجدي معها الأقوال المائعة والمعالجات الفطيرة.
بحمد الله تعالي وفضله فإن القوات المسلحة السودانية ومعها كل الشعب السوداني تحقق ساعة بعد ساعة انتصارات باهرة علي مليشيا ال دقلو الإرهابية المدعومة بقوي الشر والبغي والعدوان، وصارت بيارق النصر المبين تلوح في الأفق القريب، ولكن مثل الأزمة التي دخلت فيها بلدنا وابتلي بها شعبنا، لا يحلها النصر العسكري وحده، ولو كان حاسما مثل الذي نرجوه، فلا بد أن نهزم أولا العلل التي تعشعش في عقولنا وقلوبنا معا، علل الاستعلاء الكاذب الذي يعاني منه أكثر اهل السودان إن لم يكن كلهم، ولذلك لا يقبل بعضنا بعضا، وهذه هي أم العلل، وهي التي فصلت بلدنا قبل ذلك إلى بلدين، وهي التي أشعلت كثيرا من الحروب، واوقدت كثيرا من نيران الفتن، ومنها تلك التي لا زلنا نصطلي بنارها الحارقة.
رفض الآخر مظاهره عندنا في السودان كثيرة، قبلية، وجهوية، وسياسية، وعرقية، ودينية، وغيرها، وكلها بأسباب غير موضوعية، وادعاءات كاذبة، فليس لاحد من اهل السودان فضل علي احد غيره، وما يزعمون من انتماءات يدعون بها الأفضلية والتميز كلها واهية وواهنة، فعلي سبيل المثال ليس ادعياء العروبة أو الافريقية، أو الشرف الرفيع اصلاء في ما يدعون، وليس الذين يتفاخرون بالانتماء إليهم اهل فضل في بلد٨نا السودان، فالسودان بلد لأهله هذا المزج العبقري الخليط، ومن يزعم النقاء والصفاء فليبحث له عن بلد اخر ويترك لنا بلدنا نعيش فيه هكذا كما صرنا، وهذا مبحث طويل وعميق، ولكن يهمني في هذا المقال الادعاءات السياسية غير الموضوعية، والتي تزيد أزمة بلدنا تازيما.
لا يسع المقال والمقام تتبع حالات الاقصاء غير الموضوعية التي اوردت بلدنا موارد الهلاك، ولكنني اكتفي بآخرها واعنفها، والتي لا يمكن أن يتحقق استقرار بدون تجاوزها.
من أكبر علل ثورة ديسمبر أن التغيير حدث في غير ظروفه الموضوعية، وأن الذين ال لهم الأمر لم يكونوا من صناع الثورة، لا المدنيين ولا العسكريين، فالمدنيون الذين مثلتهم قوي اعلان الحرية والتغيير لم يكن لهم نصيب يذكر في صناعة الثورة ولم يكن لهم وجود مقدر في الشارع السياسي، أما العسكريون الذين انجزوا التغيير عبر اللجنة الأمنية تشتت شملهم بعد اربع وعشرين ساعة فقط، وجاء بعدهم الذين يلونهم في الرتب. وزاد الطين بلة أن جعل هؤلاء حميدتي ممثلا لهم في الحوار مع المدنيين برعاية المستعمرين الجدد، الرباعية الكارثة.
قوي الحرية التغيير سعت لاستغلال الظرف المضطرب للتمكين لنفسها حاضرا ومستقبلا،، واول ما فعلوا لهذا التمكين محو الاسلاميين من خارطة السودان السياسية وغير السياسية، هذا المسلك فضلا عن كونه اخرج الثورة عن مسارها الموضعي، اخرج الاسلاميين من حالة الاستسلام التي دخلوا فيها بعد سقوط نظامهم، ونشطوا للدفاع عن وجودهم، ومحاربة مستهدفيهم من قوي اعلان الحرية والتغيير.
حاولت قوي الحرية والتغيير أن تقود العسكريين معها في معركتها ضد الاسلاميين لكنها لم تجد منهم غير حميدتي نصيرا، فوجد الاسلاميون أنفسهم مع بقية العسكريين في خندق واحد، ولعل هذا واحد من الأسباب المهمة التي جعلت الاسلاميين يحاربون جنبا إلى جنب في معركة الكرامة مع القوات المسلحة رغم ان قادتهم كانوا معتقلين بأمر القادة العسكريين، هذا طبعا فضلا عن السبب الرئيس الذي جعل كل اهل السودان يصطفون خلف القوات المسلحة وهي تقاتل دفاعا عن الأرض والعرض والنفس والمال والولد.
ومثلما سعي أولياء الثورة في بداية عهد التغيير إلى عزل الاسلاميين من الحياة السياسية، يسعي اليوم مناصرو القوات المسلحة في معركة الكرامة إلى عزل قحت وتقدم من اي عملية سياسية قادمة، ومثلما لم يكن العزل القديم صحيحا، فإن العزل الحديث أيضا غير صحيح.
نتفق ان الاسلاميين ارتكبوا أخطاء فادحة خلال سنوات حكمهم بالانقاذ، ولا خلاف في أن وقوف ودعم قحت للمليشيا في حربها ضد الوطن، أفظع من كل الفظائع، ولكن الخطأ لا يعالج بالخطأ، والخطأ السياسي والتاريخي في السودان، هو العزل المتكرر والذي لابد أن نضع له حدا، وكفي لهذه الحرب اللعينة أن تكون حدا فاصلا بين الغفلة والصحوة، فلا خير فينا أن لم نستفد من تجاربنا، ونواجه أنفسنا بالحقائق المرة، فلا نجاح لأي عملية سياسية لا تشمل الجميع، وأهم اللاعبين في الساحة السياسية السودانية اليوم هم قحت والكيزان، فلن تنجح اي عملية سياسية لم تستوعبهم معا، والذين يحتمون بالقوي الخارجية بدعاوي الحرية والديمقراطية، والذين يعتصمون بالقوات المسلحة تحت ستار الكرامة أكثرهم يقولون كلمة حق يريدون بها باطلا، والكلمة الفصل عند قادة الجيش الذين يجب أن يرتفعوا عن كلىالصغائر، وهم ليسوا مع هؤلاء ولا هؤلاء، فهم مع ما فيه صالح الوطن، وصالح الوطن أن يقبل السودانيون بعضهم بعضا، وأن. يقبلوا علي عملية سياسية شاملة لا تستثني أحدا يشارك فيها كل اهل السودان، وفي مقدمتهم القحاتة والكيزان.