الأعمدةتأملات

قدالة .. جمعتنا في حياتها ومماتها 

تأملات 

جمال عنقرة

 

عندما أتاني خبر وفاة شقيقتنا الكبري وعميدة أسرتنا عيشة عز الدين النور عنقرة “قدالة” كنت في مطار القاهرة أتاهب للسفر إلى العاصمة الإدارية المؤقتة للسودان، عروس البحر الأحمر بورتسودان علي متن طائرة تاركو الفخيمة، فتذكرت أن قدالة وشقيقها الأكبر النور لهما الرحمة والمغفرة كانا بوابتنا لشرق السودان، فوالدتهما من أهلنا الهدندوة، وأذكر أنه عندما توفي والدنا في الأبيض عام ١٩٦٧م أتي خالهما إدريس للعزاء، وكانت تلك أول مرة نشاهد فيها إنسانا من الشرق ، وشاهدنا معه الصديري البجاوي لأول مرة، وكذلك “الخلال” لذلك قررت أن أقيم لها عزاء في ديار أخوالها، وهذا هو سر إقامة عزاء لها في بورتسودان، وحسنا فعلت ذلك، فكان صديقنا الزعيم المتفرد الناظر محمد الأمين ترك المرق، اول المتصلين هاتفيا للعزاء، وكان صديقنا الزعيم صالح حسب الله أول الحضور وفي صحبته نجل الزعيم حامد كفو، وأمير الشباب محمود، وختام العزاء كانت الزيارة المباركة لوفد ستنا السيدة مريم الشريفية السيد الشريف إبراهيم السيد محمد سر الختم الميرغني، وبعض سادتنا الإشراف وحبيبنا العالم الجليل الدكتور عمار ميرغني وزير الشؤون الدينية والأوقاف الأسبق، فأعزها أهلها وأخوالها في الشرق لما أتوا لتعزيتنا في فقيدتنا الكبيرة، وبالطبع سجل كل أحبابنا في الشرق من الزملاء والاصدقاء وغيرهم حضورا جميلا شكر الله سعيهم وتقبل منهم.

لقد أكرم الله أختنا قدالة بأن لم يهب لها بنين ولا بنات، فاتخذت من كل أبناء وبنات الأسرة والأهل والجيران أبناء لها، ففضلا عن اهتمامها العام بكل صغار الأسرة، لم أستطع حصر الذين وهبوا لها من الصغار وتكفلت بتربيتهم ورعايتهم وتعليمهم، حتى تزويجهم.

وكان الله قد أكرمها بزوج موهوب للناس، المرحوم بشري محمد موسي، له الرحمة والمغفرة، وبشري كان ميسور الحال بمعايير ذاك الزمان، فلقد أمتلك “لوري” سفري منذ خمسينات القرن الماضي، وكان من عاداته أنه عندما يأتي من سفر قبل أن يذهب موقف السيارات في السوق، يأتي إلى البيت ومعه كل الركاب، فتطعمهم قدالة جميعا وتسقيهم، ولو كان للعربة وجهة أخري يبيتون ليلتهم تلك في بيتهم، يأكلون ويشربون، ويغسلون ملابسهم، ويكوون، ثم يشدون الرحال.

ومن فضائل الله عليها أن زوجها بشري يرحمه الله كانت أسرته كبيرة، فهو من أسرة الفكي علي الميرازي “ود ألمي” وكان منزله هو منزلتهم جميعا، من ألمك الزاكي، ثم ألمك محمد، ثم المك إدريس لهم الرحمة والمغفرة، وربنا يحفظ ويوفق ألمك حسين، ومن أهل بشري محافظ جنوب كردفان الاشهر المرحوم محمود حسيب، واذكر عندما كان محمود حسيب محافظا لكردفان الكبري، وكان مقره في الأبيض عروس الرمال، كانت والدته “كنتوشة” عندما تأتي الأبيض يطيب لها المقام في منزل ابن أخيها بشري أكثر مما يطيب لها في منزل ابنها المحافظ محمود، لأنها تجد راحتها مع قدالة، لهم الرحمة والمغفرة جميعا.

وكانت قدالة يرحمها الله مرحة جدا، واذكر عندما كنا أطفالا صغارا وكانت قدالة امرأة متزوجة، كانت تشاركنا كل الألعاب، حتى كرة القدم، وسك سك، وعندما تهطل الأمطار تقضي كل زمن المطر تعلب وتلهو مع الصغار تحت المطر،

نسأل الله لها الرحمة والمغفرة والعتق من النار وأن يسكنها فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى