تأملات

٢٨ ألفا يمتحنون الشهادة السودانية في مصر .. لله الشكر من قبل ومن بعد

تأملات
جمال عنقرة

رافقت السبت الماضي الثامن والعشرين من شهر ديسمبر الماضي، رافقت الشريف الدكتور علي يوسف وزير الخارجية ومعالي سعادة الفريق اول ركن مهندس عماد الدين مصطفي عدوي سفير جمهورية السودان في جمهورية ممصر العربية، وعددا من أركان حربهما، وبعض الزملاء الإعلاميين والصحفيين، وبعض المساندين للسفارة في معركة الكرامة التي تخوضها في اخت بلادنا الشقيقة مصر كنانة الله في الأرض المؤمنة بأهل الله تعالي، رافقتهم في الزيارة التاريخية إلى مدرسة السعيدية المصرية التاريخية العريقة الفخيمة لقرع جرس اول امتحان في الشهادة السودانية لهذا العام الدراسي الذي امتد لنحو ثلاث سنوات أو يزيد بسبب حرب المليشا الغادرة التي استهدفت السودان وأهله وتراثه وتاريخه، وحاضره ومستقبله. وكان هذا الجرس ايذانا بجلوس أكثر من ٢٨ الف طالبا وطالبة للجلوس لهذا الإمتحان في مصر، فذهبت أفكاري بعيدا تتجول في تلك الفتوحات العظيمة التي تجلت في ذاك اليوم الاعظم. الذي اعتبره يوم نصر وانتصارات عزيزة تستوجب شكرا عظيما لكثيرين استحقوا الشكر، والشكر الاعظم لله العظيم الذي بفضله تمت كل هذه الفتوحات الصالحات.
أول ما لفت نظري واستوقفني منظر المدرسة السعيدية الفخيمة البهيجة التي ذكرتني قصرنا الجمهوري علي ضفاف نيلنا الخالد سليل الفراديس الذي دنسته المليشيا الغاشمة ودمرته، وكانت قد راجت أحاديث تزعم أن الحكومة المصرية تعاكس وتعرقل قيام امتحان الشهادة السودانية في بلدها، والحقيقة التي عرفتها في ذاك اليوم ان وقت إقامة امتحان الشهادة السودانية في السودان تزامن مع وقت إقامة امتحانات الفترة الأولي في مصر، ومن أجل أن تضع وزارة التربية والتعليم المصرية كل امكاناتها تحت تصرف السفارة السودانية في مصر لإنجاز الامتحانات في افضل صورة، قدمت خيارين موضوعيين، أن يتم تأجيل الامتحانات إلى ما بعد انتهاء امتحانات المرحلة الأولي، أو أن تعقد الامتحانات مساء بعد انتهاء الامتحانات المصرية، فاختارت الوزارة السودانية الخيار الثاني، وجعلت امتحانات الشهادة في السودان وفي كل العالم تعقد مساء في الوقت المتاح في مصر، فقدمت مصر افضل مدارسها لتقام عليها الامتحانات، وسخرت كل كوادرتها للمشاركة في تسهيل هذه العملية، وكان في استقبالنا السيد وكيل وزارة التربية والتعليم المصري الأستاذ سعيد الذي ظل يشرف علي العملية بنفسه ومعه أركان حربه في الوزارة وقادة التعليم في المحافظات والوحدات الأساسية والمدارس، فالشكر والتقدير لهم ولمصر التي يعود اليها الفضل الأكبر من بعد الله تعالي في صمود السودان وأهل السودان وقواته المسلحة الباسلة في وجه أعنف واشرس عدوان يقع علي دولة وشعب علي مر التاريخ، ولا يساورني ادني شك في أن مصر سوف تكمل معنا المشوار حتى يتحرر كل شبر في جنوب الوادي، لنقف معا ونحقق حلمنا التاريخي، تكاملا كالوحدة تمام، وربما أعمق، والصبر حتي يحين الأوان بإذن الله تعالى.
الأمر الثاني الذي استوقفني، العدد، أكثر من ٢٨ طالبا في مصر وحدها، وتذكرت في زماننا قبل نحو نصف قرن من الزمان لم نبلغ في السودان كله ١٥ الف طالبا، عندما كانت المدارس الثانوية في السودان عددا محدودا ومعلوما، فالشكر من بعد الله تعالي للذين قادوا ثورة التعليم في السودان، العام والعالي، ولا اقول عدد المدارس ولا الجامعات، فتلك لا تحصي ولا تعد، ولكن اقول ان طلاب جامعة واحدة اليوم يفوق كل الطلاب الذين كانوا يجلسون لامتحان الشهادة السودانية قبل ثورة التعليم، فالشكر والتقدير لكل من كان له سهم في ثورة التعليم في السودان، وتحية خاصة لاخي الدكتور أحمد حمزة المدير العام لصندوق دعم الطلاب الذي افتتح علي يد الزعيم الملك قائد مشروع إعادة تأسيس وبناء السودان الفريق مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة المشرف علي رسالة التعليم في السودان، قبل أن يكون مشرفا علي وزارته.
الأمر الأعظم الذي يجب أن نقف عنده، ونسجد جميعا شكرا لله تعالي لعظمة دلالاته ومعانيه، هو قيام الامتحانات نفسها، وهذا اقوي رسالة بأن الحرب قد انتهت، فالمعركة العسكرية قد حسمت منذ وقت بعيد، وبالنسبة لي عملية الحسم بدأت منذ اليوم الأول، عندما افلح فصيل شهداء الوطن الحرس الرئاسي من صد كتيبة الغزو الأولي التي استهدفت رئيس الدولة وقائد الجيش، ورمز السيادة الوطنية فخامة الرئيس الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقدم هؤلاء الابطال أرواحهم فداء للبلد والأرض والعرض والشرف، ثم تلاهم البطل المقاتل اللواء طيار طلال علي الريح الذي دك كل حصون المليشا الحصينة، فأدركت المليشا أن مشروعها قد فشل، فتحولوا إلى نهابين ومغتصبين، وقضي عليهم الجيش والقوات النظامية الأخري وقوات حركات الكفاح المسلح، وجموع الشعب السوداني الذي وقف خلف قواته المسلحة صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ولم يشذ عن ذلك الا خائن أو عميل،
ولم يكن دور كتائب الخدمة المدنية اقل من الكتائب العسكرية، فبعد أن أوقفت المليشيا كل الخدمات تقريبا، ودمرت كل مصادر المعلومات والبيانات، أعادت الكتائب المدنية كل ذلك، وكان شيئا لم يكن، فعادت الاتصالات وكل خدماتها، وعادت البنوك والمصارف للخدمة، واستعاد السجل المدني كل بياناته وهذا انجاز حد الإعجاز، واستعاد مسجل الشركات وأسماء الأعمال كل بيناته، وعادت الحياة إلى طبيعتها، وتكشفت حقيقة المليشا للعالم، وصار رعاتها يبحثون عن مخارج لهم بكل الوسائل والسبل، يستجدون ويبعثون بالوسطاء وفاعلي الخير،
فشكرا للشعب السوداني كله بقيادته العسكرية وقادة مكونات المجتمع المدني الفاعلة، وشكرا اشقائنا واصدقائنا، وجيراننا الأوفياء، والشكر لله من قبل ومن بعد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى