الأعمدةتأملات

العلاقات السودانية المصرية .. ليس كل مرة تسلم الجرة(٥)

تأملات

جمال عنقرة

قلت في المقال السابق أن السيد الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة عندما تم انتخابه رئيسا للوزراء عام ١٩٨٦م ألغي اتفاقية التكامل مع مصر، وألغي معها اتفاقية الدفاع المشترك، وانه فعل ذلك اولا للعداء التاريخي بين الأنصار وحزب الأمة مع مصر، ووفاء للعهد الذي كانوا قد قطعوه للرئيس الليبي معمر القذافي لتحقيق الوحدة الفورية بين السودان وليبيا بعد سقوط حكومة نميري، وألغاها السيد الصادق أيضا لانه كان يراها من بقايا آثار مايو التي يجب كنسها، فكنسها، وكنس معها كل المكتسبات التي تحققت، وذكرنا بعضا منها في المقال السابق المشار إليه.

أن كل ما عاناه الطلاب السودانيون في مصر بعد إلغاء ميثاق التكامل بين مصر والسودان، وما لا يزالون يعانونه يعود سببه الأول إلى تلك القرارات التي أصدرها السيد الصادق المهدي، ثم التي أتت بعدها في عهد الإنقاذ ونتطرق لها في حينها، إن اي قرار يصدر في مصر يصعب تغييره، حتى ولو صدر عفوا، ويعرف ذلك الذين لديهم اسماء مطابقة لاسماء محظورين في مصر، حيث يستوجب عليهم في كل سفرية إثبات انهم ليسوا المعنيين بالحظر، وتلك كانت معاناة تتجدد كل عام لصديقنا وزميل دراستنا في مصر، الأخ محمد إبراهيم نقد، الذي يطابق اسمه اسم سكرتير الحزب الشيوعي السوداني السيد محمد ابراهيم نقد له الرحمة والمغفرة الذي كان مختفيا في تلك الأيام، فكان عليه كل عام أن يثبت انه ليس محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني رغم فارق السن، واذكر مرة في ثمانينات القرن الماضي ذهبت وزارة الزراعة المصرية مع أخي وصديقي جعفر محمد حسين من أوائل السودانيين الذين كانت لهم أعمال في مصر، وكان سبب الزيارة مقابلة الوزير يوسف والي بسبب منع دخول الذرة السودانية إلى مصر، ولما سأل الوزير الموظف المختص عن سبب المنع، قال له انه قرار خديوي، ولقد استغرق رفع هذا القرار الخديوي زمنا طويلا.

العداء لمصر الذي جعل له السيد الصادق المهدي انيابا تنهش في جسد العلاقات السودانية المصرية، كان هو ونظام حكمه اول من دفع ثمنه غاليا، فبسبب هذا العداء رحبت مصر بانقلاب الإنقاذ واحتضنته وقدمته للعالم أجمع.

ومن المفارقات الغريبة أن السيد الصادق المهدي الذي قطع كثير من عري الوصل والتواصل بين مصر والسودان، لم يجد بلدا يطيب له فيها المقام بعد سقوط حكمه سوي مصر، وكانت فرصة طيبة جدا ليعرف السيد الحبيب حقيقة مصر والمصريين، ولقد اتاحت هذه الإقامة الطويلة الممتازة للسيد الإمام في مصر معرفة عميقة لمصر والمصريين، فصار لا يطيب له المقام في اي بلد مثلما يطيب له في أرض الكنانة، ورحلة استشفائه الأخيرة التي لم يعد منها كان يتمني أن تكون إلى مصر، ولكن قدر الله نافذ، واذكر مرة قال الحبيب الأمير عبد الرحمن الصادق المهدي في وصف العلاقة بينهم وبين مصر، وفي حضور سفير مصر وعدد من رموز واقطاب العلاقات السودانية المصرية، قال ان ما قدمته مصر للانصار وحزب الأمة لم تقدمه للختمية والاتحاديين

نواصل بإذن الله تعالى

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى