الأخبارالأعمدة

العيد ٦٨ .. الجيش بين المطارق والسندان

تأملات 

جمال عنقرة 

عندما يكون إنسان أو جهة ما في مأزق، ويتعرض لضغوط من جهتين متعارضتين، يقولون أنه “بين المطرقة والسندان” ولما فكرت في الكتابة عن الجيش السوداني في عيده الثامن والستين، لم يستوقفن شئ سوي ما يتعرض له جيشنا في هذا العهد من ضغوط وابتلاءات، وفكرت تلقائياً في ما يقال في مثل هذه الحالات “بين المطرقة والسندان” وكتبت ذلك فعلا عنوانا، لكنني لما شرعت في الكتابة، وجدت أنها ليست مطرقة واحدة التي تضرب علي رأس الجيش، ولكنها مطارق عدة، ومن غرائب الأشياء أن الجيش يتعرض لكل ذلك، وفي عهد هذه الثورة – ثورة ديسمبر  – وهو بطلها بلا منازع، ومع ذلك تعرض، ولا يزال يتعرض لما لم يتعرض له من قبل.

وقبل الدخول في التفاصيل لا بد من التأكيد أولاً على ما أشرت له، وهو أن الجيش السوداني هو بطل ثورة ديسمبر بلا منازع، ولا مقارب رغم أن بعض الأدعياء يزعمون عكس ذلك، بل يذهبون إلى أبعد من هذا، ويتهمون الجيش بأنه قد سرق الثورة، في حين أنه لولا الجيش لما أفلحت الثورة في إسقاط النظام السابق، ودائما ما أقول أن انتفاضة سبتمبر ٢٠١٣م كانت أعنف بكثير من مظاهرات ديسمبر ٢٠١٨م، الفرق الوحيد، والذي أحدث الفرق هو أن الجيش إنحاز إلى الثورة في ديسمبر ٢٠١٨م، ولم يفعلها في سبتمبر ٢٠١٣م، وهنا نعيب على القيادات العسكرية أنهم لم يفعلوا كما فعل أسلافهم الذين قادوا التغيير في المراحل الإنتقالية، لا سيما الراحل المقيم المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب ورفقاؤه، فهؤلاء ابتعدوا بالمؤسسة العسكرية تماماً عن الأحزاب، وحوار الأحزاب، ولكن الذي حدث هذه المرة أن العسكريين وضعوا الجيش وكأنه واحدا من القوى والأحزاب السياسية، وهذا جعل كل من هب ودب، يتعرض لجيش الوطن بما لا يليق، ولا يجوز، وهذا أول مطرق يضربون به رأس الجيش الباسل. 

ومما صار يتعرض له الجيش السوداني تحت مسميات مختلفة، أن كثيرين صاروا يرفعون شعارات، ونداءات يقصدون منها تدمير الجيش ليكون ذلك مدخلاً لتدمير السودان كله، ومن تلك الشعارات والنداءات الأحاديث عن إعادة هيكلة الجيش، والعقيدة القتالية، وذلك كله المقصود به تدمير الجيش الوطني.

ومن أهم السياسات الرامية لتدمير المؤسسة العسكرية الحديث عن تمدين المؤسسات العسكرية الصناعية والإستثمارية والخدمية، بما في ذلك المؤسسات الخاصة بالمطلوبات العسكرية، ولتحقيق هذا الغرض الخبيث روجوا لأكاذيب صدقها كثيرون، منها أن الاستثمارات العسكرية تعادل ٨٠% من المؤسسات الإقتصادية الحكومية، وهذه فرية كبيرة، وما يجب أن يعرفه الناس هنا أن قيمة كل الاستثمارات العسكرية لا تتجاوز الأربعة مليار دولار، علما بأن هذه الأموال جزء مقدر منها من أموال المعاشيين من العسكريين، ذلك في حين أن الإستثمار الحكومي في النفط، والكهرباء والمعادن فقط يتجاوز المائة مليار دولار، وكما هو معلوم أن كثير من المؤسسات الخدمية والصناعية وغيرها قديمة جدا، مثل المؤسسات العلاجية، والأشغال العسكرية، وسلاح المهندسين، والمخازن والمهمات، وحتى التصنيع الحربي الذي يكثرون من التركيز عليه هذه الأيام، قد بدأ تأسيسه قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، منذ عهد الرئيس الراحل الفريق إبراهيم عبود. 

ولعل أكثر ما يطرق الجيش ويصيبه في مقتل، هو تعدد الجيوش، وما يزيد من عظم هذا التحدي أن كل حديث عن توحيد الجيوش المتفرقة في جيش واحد بقيادة واحدة، كلها أحاديث بلا معنى ، ولا يتبعها فعل، وهذا القول ينطبق على قوات الدعم السريع، وقوات الحركات المسلحة. صحيح أن قيادات الجيش، وقادة الدعم السريع، وقادة الحركات المسلحة يتحدثون كلهم عن جيش واحد، ولكن ليس هناك ما يلوح في الأفق يبشر أن شيئاً من ذلك يمكن أن يحدث، وهذا أمر يجب أن تأخذه الحكومة، لا سيما القيادات العسكرية، واعني كل العسكريين المتنفذين، وهم تحديداً الذين يمثلون الجيش في مجلس السيادة الأربعة، وخامسهم قائد قوات الدعم السريع، والحركة الشعبية، وكل قادة الحركات المسلحة الذين يشاركون في الحكومة، في مجلس السيادة، أو مجلس الوزراء، أو حكومة إقليم دارفور، السيد الحاكم، وحكام الولايات وغيرهم.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى