
في أرض كركوج الطيبة، حيث تختلط رائحة الطين بندى الفجر، وتتهامس النسمات مع أصوات الذكر في المسيد، عاش رجلٌ قلّ أن يجود الزمان بمثله ، هو الشريف محمد الشريف التجاني ، خليفة الشريف التجاني الشريف محمد الأمين، وأرث النور، وحامل السلسلة المباركة.
مسيده عامراً بالقرآن، والدواية تقطر مداداً من العلم، والتقابة لا تخلو من طالبٍ أو ذاكِر، وكان الحيران ينهلون من معين محبته وعلومه، لم يكن مجرد شيخ أو خليفة، بل كان أباً للقلوب، وسنداً للضعفاء، وركناً للضيوف والمحتاجين.
حين إشتدت المحن، وعصفت المليشيات بالقرى، وفرّ الناس من بيوتهم ، فتح الشريف محمد مسيده قبل قلبه ، إزدحم المسيد بالنساء
والأطفال، بالشيوخ والشباب، ولم يكن هناك من يُردّ ، أوقدت النار ، ووزّع الطعام من قفة الزاد، وإرتفعت الدعوات في الليل كما ترتفع الطيور نحو السماء ، لم يكن يمضي يوم إلا واستُقبل ضيف، ولم يكن يُذكر إسم الشريف إلا واقترن بالكرم والجود والصلاح.
وفي كل مساء، بعد أن تُروى القلوب من الشاي والخبز والطمأنينة، يجلس الشريف بين الحيران، يُذكّرهم بالله، ويزرع فيهم الأمل، هكذا ظل الشريف محمد لا يفارق مسيده ، ثابتاً حاضراً
مع محبيه ومريديه، إلى أن صار إسمه على كل لسان، ومحبته في كل قلب.
حجّاً مبروراً سيدي الشريف محمد الشريف التجاني، يا من حملت في قلبك محبة آل البيت، وسلكت طريقهم بالأدب والوقار، تمرّ من جانب الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم ، خاشعاً، ساكناً، كأن الأرض تُباهي بك خطاها.
ما أعظمها لحظة، حين تلامس الروحُ طيب المدينة، وتتنفس القلوب من طُهر البقيع، وتهمس السلام على خير الورى صلي الله عليه وسلم .. وأنت في لباسك الأبيض، نورك يسبقك، وذكرك يعلو، وخُشوعك حديث المآذن.
لله دَرّك سيدي الشريف محمد، ما زلت كما عهدناك ، علماً من أعلام المحبة، وركناً من أركان الوفاء، ما حاد بك الزمان عن طريق السالكين، ولا شغلتك الدنيا عن حضرة رب العالمين.
نسأل الله أن يتقبل حجك، ويرفع مقامك، ويجعل زيارتك للمختار صلي الله عليه وسلم زيادة في القرب، وفتحاً في السّر، وبركةً لأهلك ومريديك وحيرانك ومحبيك.